الثلاثاء، أبريل ١١، ٢٠٠٦

العام و الخاص

لا أعرف سببا لولوعى بالاقتصاد فأنا لا أحسن التعامل مع المال بالمرة و تصنيفى الطبيعي هو الأبله المثقف و لله فى خلقه شؤون. عندما يتعلق الأمر باقتصاد الأمم و علاقة السياسة السكانية بالسياسة المالية و ما إلى ذلك فلى شغف عجيب بالقراءة و الفهم. و لكن عندما يتعلق الأمر بشراء كيلو بطاطس من سوق الاثنين فأنا لا أخفى تبرمى و يقينى بأنى سأنتهى بأسوأ بطاطس بأعلى سعر!



و هذه المقدمة ليس الهدف منها إقناع القارئ بأنى لا أفهم من الاقتصاد إلا كما يفهم ملايين المصريون فى الكرة. فمعرفة العموميات بغير تطبيقها أمر سهل و لكن الصعب هو المعرفة الدقيقة التى تنتبه للتفاصيل و تحقق النجاح عند التنفيذ. و هذا كلام وجيه و أظن أن مثل هذه النظرة هى ما سنسمع من الحكومة المصرية إن سألناها عن رجال الأعمال الذين يتصدرون المناصب فى فترة حرجة يفترض فيها أن مصر على عتبة تغيير هيكلي يسمح لها بالاستمرار فى ظروف إقتصادية دولية بالغة القسوة.



لا أظن أن هذا الرأى سليم بل على العكس فرجال الأعمال العمليون القادرون على تحقيق الأرباح هم آخر من يصلح لإدارة مصر فى حالتها الراهنة. و أنا لا أقول ذلك إنطلاقا من أنهم فاسدون أو أنهم لا يأبهون لمصلحة الشعب أو الفئات الفقيرة أو غير ذلك. لا مانع من أن يكون نفس الشخص تاجرا ناجحا و شريفا و لا أظن أن قسوة القلب و انعدام الضمير من متطلبات النجاح فى إدارة مصنع أو مزرعة. المشكلة فى هؤلاء العمليون هى فى ضيق نظرتهم فى المكان و الزمان. و هذه النظرة الضيقة تغفل الأسئلة الأهم من نوعية تغيير أنماط الاقتصاد و تحقيق قدرا معقولا من التعاون و التآزر بين قطاعات الدولة المختلفة. الوزير من رجال الأعمال يهمه فى النهاية كشف حساب وزارته. و كأن الوزير ما هو فى النهاية إلا مدير شركة يرغب فى تعظيم الربح مقارنة بالأصول! و هذه مشكلة عميقة لأن الوزير المفترض فيه أنه رجل سياسة و من هذا المنطلق فهو لا ينظر للربح بقدر نظرته لكفاءة الآلية.



نضرب مثالا (أرجو أن يكون تخيليا). ماذا لو قرر وزير التعليم توفير ملابس المدرسة صناعة الصين من أجل تخفيف الأعباء عن الآباء؟ لا ريب أن هذا قد يخفف فعلا على المدى القريب من مشاكل قطاعات عريضة من الفقراء و أصحاب الأولاد فى سن المدرسة و هم كثر و لكن هل هذا الحل مقبول فى دولة كمصر لها صناعة نسيج مهمة و متعثرة؟



مصر تحتاج إلى وزراء سياسيين بعيدى النظرة. أما الأمور العملية فهذه من اختصاص وكلاء الوزارات الذين أفنوا أعمارهم فى فهم التفاصيل.



و أنا أفترض طبعا الأمانة.

ليست هناك تعليقات: