الاثنين، مارس ١٧، ٢٠٠٨

أحوال حارتنا

(1)

سم الهلال إذا ما شمته بدرا إن الأهلة عن قرب لأقمار

مرت بمصر فى السنوات القليلة الماضية بدءا بصيف 2005 أحداث كثيرة مشتبكة. ربما كان أهم هذه الأحداث بزوغ حركة كفاية و ما صحب ذلك من انتزاع حق التظاهر و نقد النظام و حتى أعلى مستوياته (ما يطلق عليه القيادة السياسية) و دخول الإخوان الإنتخابات و نجاحهم فى دخول مجلس الشعب بأعداد كبيرة (نسبيا) و لا ننسى ما كان من اعتصامات القضاة و ظهور أيمن نور و اختفائه. ليس لى رغبة فى حصر و تصنيف الأحداث و لكنى أظن الوقت قد حان لتحليل الأحداث فى إطارها العام و أن نحاول أن نفهم إن كانت هذه الأحداث أهلة تؤذن ببدر مونق أو أنها غير ذلك.

لكى نفهم ما حدث أظن أنه من الضروري أن يكون لدينا تصور مبسط عن مصر تظهر فيه الخطوط العريضة للمجتمع و تسمح لنا بالنظر فى الهيكل الأساسي للمجتمع لا فى تفصيلات ما قد يحدث من خلال هذا الهيكل. و لا أجد ما هو أقرب و أسهل للفهم و التخيل من حارة نجيب محفوظ الشهيرة و خاصة تناوله للحارة فى ملحمة الحرافيش. أود أن أنبه هنا أننى لا أرغب فى كتابة نقد للرواية أو تحليل لها و لكنى أستخدمها كخلفية لعرض الأفكار.

و ما أود أن أنبه عليه هنا أن لكل مجتمع هيكل يحدد طبيعة المجتمع و طريقة نموه و اضمحلاله و صحته و مرضه. هذا الهيكل يمكننا أن نشبهه بالأعضاء الحيوية فى الجسم كالقلب و الكبد و المخ. و لكن الجسم فيه أيضا لحم و شحم و عضلات. قد يزيد الشحم أو يقل أو تنتفخ العضلات أو تقل و لكن هذا لا يؤثر على صحة الجسم تأثيرا سريعا ملموسا كما تؤثر الأعضاء الحيوية. فما أن يصاب أحد هذه الأعضاء بما يعيقه عن أداء وظيفته حتى نلحظ تدهورا ملموسا فى صحة الجسد كله.

الطبيب الحاذق هو من ينظر إلى سلامة الأعضاء الحيوية أولا حتى إذا اطمئن لها شرع فى الإهتمام باستعادة الوزن و تكثير الطاقة و النشاط. أما الذى يشغل نفسه بحجم العضلات و القدرة على الركض فليس بالطبيب. كم مات من الناس من كان فى (ظاهرا) فى قمة الحيوية و النشاط و كم تعافى من كان لا يقوى على النهوض من فراشه.

هناك أولا الحارة و هى فى آن واحد مكان له موقع و جيرة و موارد و مداخل و مخارج كما إنها جماعة فيها الغني و الفقير و الرجال و النساء و الوجهاء و الحرافيش. و لكن الحارة ليست فقط مكان و جماعة و لكنها أيضا محل لارتباط روحي بين الجماعة و المكان و التاريخ. و التاريخ هنا ليس مجرد أساطير الحارة و قصصها عن ما كان و لكنه أيضا مؤسسات الحارة من فتونة و خمارة و مسجد و سبيل و مواقف أفراد الجماعة من هذه المؤسسات.

يقسم نجيب محفوظ الجماعة (الحارة كمجموعة من الناس) إلى حرافيش و فتوة (له عصابة) و وجهاء. ثم هناك التكية التى تمثل الجانب الروحي للجماعة. فى الملحمة التكية لا تتكلم لغة مفهومة لسكان الحارة و ربما يمثل هذا الإختيار موقفا خاصا للمؤلف من مكان الدين فى المجتمع و ربما لا. لا يهمنى هنا أن أتطرق لتفاصيل إختيارات محفوظ و لكنى سأضيف شخصية أساسية للحكاية: الشيخ.


الآن و قد وطئنا للشخصيات آن لنا أن نتعرف عليهم.