الأحد، أبريل ١٦، ٢٠٠٦

لا داعى للكلام

الكل يتكلم الآن عن الإسكندرية.



إلى متى تشغلنا الأعراض عن أسباب المرض؟



ماذا تظنون أيها السادة؟ مع الفقر و القهر و ثقافة الضيق و الندرة هل تتوقعون المحبة و التسامح و و .....



أعتذر لكل قبطي ليس عن الإسكندرية و لكن عن أن المسلمين ـ الأغلبية، من يدعون الحق فى القيادة، صامتون و البلد تنهار.



و لكن النصيحة واجبة. أمريكا ليست هى الحل.

الأربعاء، أبريل ١٢، ٢٠٠٦

عبقرية الوقف

أصل الوقف ما كان من عمر رضى الله عنه عندما وقف أرض السواد على المسلمين. و أرض السواد هذه جل أرض العراق المزروعة و الله أعلم. و أنا أنقل هنا مما رواه الخطيب البغدادي فى تاريخ بغداد من نسخة موقع الوراق و العهدة
على الراوى و من أسند لك فقد حملك.



"أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز أنبأنا دعلج بن أحمد بن دعلج المعدل أنبأنا محمد بن علي بن يزيد الصايغ قال أنبأنا سعيد بن منصور نبأنا هشيم قال أنبأنا العوام بن حوشب أنا إبراهيم التميمي قال: لما افتتح المسلمون
السواد قالوا لعمر بن الخطاب أقسمه بيننا فأبى فقالوا: إنا افتتحناها عنوة قال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟ فأخاف أن تفاسدوا بينكم في المياه وأخاف أن تقتتلوا فأقر أهل السواد في أرضهم وضرب على رؤوسهم الضرائب يعني الجزية
وعلى أرضهم الطسق يعني الخراج ولم يقسمها بينهم."



أى أن الأرض عليها ما يشبه الضريبة (فى العرف الحادث) يستوى فى ذلك المسلم و الذمي و تنفق على مصالح المسلمين. و هذا قبل أن يولد ماركس أو تبتلى الدنيا بنيرات أفكاره.



و هذه سنة سنها عمر رضي الله عنه و أجراها فى كافة البلدان المفتوحة بعد ذلك و لها منافع عديدة. منها أن أصحاب الأرض يستقرون فيها و يتقوتون من غلتها ثم يتكسبون من بيع الفائض. و هذا البيع يفيض الطعام فى الأسواق فيقل السعر و



يعم الرخاء. ثم أن للدولة نصيب من عائد الأرض يعين الدولة على إصلاح المرافق و دفع نفقات الجند و المعلمين و غيرهم مما تعم الحاجة إليهم. ثم إن هذا الدخل لا يتقيد بمصارف الزكاة فهو أعم فى المنفعة و عو أيضا لا ينقطع لاستمرار



إدرار الأرض عاما يعد عام.



و لكن الاهم من موضوع وقف الأراضى المفتوحة، و إن كانت قضية لها أبعاد خطيرة جدا لا نخوض فيها هنا، أن الوقف فى ذاته إستقر فى عوائد المسلمين و إن كان الواقف من عامة المسلمين و ليس الأمير. و فى جميع صوره و أشكاله
يحقق الوقف منافع للعاملين فيه و القائمين عليه و للمستفيدين منه و يسهم فى تنشيط الإقنصاد و وفر المعروض مما يقلل الأسعار.



و المجتمعات الإسلامية فى تاريخها الطويل تتميز بما أحب أن أسميه التحسين و التكيف. ففكرة الوقف فى مبدئها ارتبطت بالخليفة و بالحكومة و لكن مع مرور الزمن و تغير الأحوال صار الوقف مما يحرص عليه كل متيسر قل ماله أو كثر. و
استجاب الفقه للأحوال المستجدة فقرر قواعد للتعامل مع الأوقاف منها أن شرط الواقف كنص الشارع و هو ما أتاح الفرصة لأهل الخير من الأغنياء لإنشاء الأوقاف و تخصيصها لما يرون الحاجة تدعوا إليه. و هذه المرونة تتيح للمجتمع
الإستجابة لما ينشأ من حاجات دون الحاجة إلى تدخل الدولة بالتوجيه و التخطيط. و الملفت فى طريقة استجابة المجتمع المسلم للتغير أن المبدأ المستقر يظل كما هو و إنما يطرأ عليه التحسين و الإضافة تكيفا مع الوضع الناشئ لا أن المبدأ
المستقر يهدم بالكلية و يستبدل به أسلوب جديد.



و للوقف أثر حميد فى تحويل فوائض الأموال من باب النفقات إلى أن تدخل فى رؤوس الأموال و هى بذلك تحفظ ثروة المجتمع من التبديد و تستحث النمو و الوفرة.



نضرب مثلا.



إمرأة متيسرة صاحبة مكتب إستشارات هندسية. عملها هذا عمل منتج و مفيد للمجتمع و يتيح لها و لعائلتها حياة مريحة ناعمة. و الآن بعد ان تزوج الأولاد و البنات و شاب الشعر و انحنى الظهر تفكر السيدة العجوز فيما ستترك من أموال و عقار. أما أولادها فكل منهم له عمله الخاص و دخله المستقل و الينات كذلك بالإضافة لحالة أزواجهن المتيسرة. إذن فترك الميراث لهم لا يزيد عن إضافة رصيد إلى أرصدتهم فى المصارف. لن يستثمر المال و لن ينفق. لكن إن وقفت هى نصيبا من ثروتها على مكتبها و خصصت ريع المكتب للإنفاق مثلا على الفتيات اليتيمات أو الأرامل أو النساء ممن تركهن أزواجهن أو غير ذلك فإن هذا يضمن أشياء منها إستمرار العمل فى المكتب و اتصال أرزاق العاملين فيه من مهندسين و غيره و منها أن المال الموقوف يستثمر و يفيد المجتمع و منها الثواب الذى يصلها فى قبرها.



و قد يعترض معترض و يقول و من قال أن أولادها لن يستثمروا المال و يتصدقوا من ريعه؟



يضحك أبو العلاء.



عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال "إذا مات إبن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له."



نشهد أنه لم يترك بابا من الخير إلا دلنا عليه. عليه الصلاة و السلام.


الثلاثاء، أبريل ١١، ٢٠٠٦

عبقرية الوقف

كثر الكلام مؤخرا على موضوع صفقة

عمر أفندى.

و أبوالعلاء مستاء جدا من مستوى النقاش فى المسألة. المناقشة
دارت أساسا حول البيع بل حول جزء من القضية و هو ثمن البيع و كأن المسألة مسألة محسومة فالبيع لا مناص
منه و لا مفر و محل النظر هو فى كيفية تعظيم العائد. ثم نشتكى من سطحية الحكومة.



أولا لابد أن أوضح أن ليس لى أي اعتراض أيديولوجي على بيع القطاع العام. لست ماركسيا بل أعتقد إعتقادا
جازما أن الماركسية شكل متقدم من أشكال الغباء المركب. و لكن هناك أسباب وجيهة كثيرة للاعتراض على بيع
القطاع العام. كلها غير أيديولوجي و الحمد لله.



القطاع العام بغض النظر عن نشأته ملكية عامة. و الملكية العامة نوع من أنواع الملكية تستتبع ما للملكية
المتعارف عليها من حقوق و واجبات. و من أحق حقوق الملاك التصرف فى الملكية بالأصالة أو بالنيابة. و
المفترض أن الحكومة تتصرف فى القطاع العام بمقتضى تفويض الشعب لها و المفترض أيضا أن التصرف فى
القطاع العام يكون لمصلحة الملاك جميعا و على قدر حصتهم. و القطاع العام ليس له أسهم محددة و بالتالى فحصة كل
المصريين فيه سواء. إذن فلا معنى لأى تصرف فى القطاع العام من جهة الحكومة لا يعود بالفائدة المتساوية (بقدر
الإمكان على جميع المصريين).



و من أعظم أبواب النفع إستبقاء أموال المصريين فى مصر. و أنا هنا لا أنكلم عن المدخرات و لكن عن مصاريف كل يوم عن سعر الطعام و الشراب و الملبس. فشراء هذه الأساسيات ينقل المال من يد إلى يد داخل البلد و يشجع حركة التجارة بصفة عامة. مثلا أنا أحتجت لثلاجة فاشتريتها من عمر باشا الربح الناشئ عن البيع يذهب لمرتبات العمال و الموظفين و ما يفيض ينتهى فى خزانة الدولة. العمال و الموظفين بدورهم ينفقون مرتباتهم على التعليم مثلا و من ذلك يأتى دخل أبى العلاء. أما ما ذهب إلى خزانة الدولة فالمفروض أنه ينفق على الاحتياجات العمومية كالأمن و الدفاع و المرافق.



و الآن نسأل عن بيع الخديو عمر لمستثمر أو مستثمرين غير مصريين هل يستبقى أموال المصريين فى مصر. إن كان المستثمر سينفق أرباحه داخل مصر فالجواب بالإيجاب و إن كان غير ذلك فالجواب بالنفى. و الرجاء أن نلاحظ أنى لا أتكلم عن الخسارة الناشئة عن البيع بثمن أقل من ثمن الأصول و لا أتكلم عن الخسارة الناشئة عن فقدان الحكومة لأرباح السلطان عمر و لكن عن أن بيع عمر أفندى لمستثمر أجنبي يؤدى بالضرورة لفتح بلاعة تنزح أموال مصر.



طبعا الإعتراض السابق ينطبق بنفس الدرجة على المستثمرين المصريين الذين ينفقون معظم نفقاتهم على البضائع المستوردة أو على شراء العقارات فى أوروبا و أمريكا و يحتفظون بمدخراتهم المليونية فى بنوك العالم من قبرص إلى جزر الكاريبى.



ما الحل؟.



رأى أبى العلاء الحل هو تحويل القطاع العام إلى أوقاف عامة!!! وللحديث بقية.

العام و الخاص

لا أعرف سببا لولوعى بالاقتصاد فأنا لا أحسن التعامل مع المال بالمرة و تصنيفى الطبيعي هو الأبله المثقف و لله فى خلقه شؤون. عندما يتعلق الأمر باقتصاد الأمم و علاقة السياسة السكانية بالسياسة المالية و ما إلى ذلك فلى شغف عجيب بالقراءة و الفهم. و لكن عندما يتعلق الأمر بشراء كيلو بطاطس من سوق الاثنين فأنا لا أخفى تبرمى و يقينى بأنى سأنتهى بأسوأ بطاطس بأعلى سعر!



و هذه المقدمة ليس الهدف منها إقناع القارئ بأنى لا أفهم من الاقتصاد إلا كما يفهم ملايين المصريون فى الكرة. فمعرفة العموميات بغير تطبيقها أمر سهل و لكن الصعب هو المعرفة الدقيقة التى تنتبه للتفاصيل و تحقق النجاح عند التنفيذ. و هذا كلام وجيه و أظن أن مثل هذه النظرة هى ما سنسمع من الحكومة المصرية إن سألناها عن رجال الأعمال الذين يتصدرون المناصب فى فترة حرجة يفترض فيها أن مصر على عتبة تغيير هيكلي يسمح لها بالاستمرار فى ظروف إقتصادية دولية بالغة القسوة.



لا أظن أن هذا الرأى سليم بل على العكس فرجال الأعمال العمليون القادرون على تحقيق الأرباح هم آخر من يصلح لإدارة مصر فى حالتها الراهنة. و أنا لا أقول ذلك إنطلاقا من أنهم فاسدون أو أنهم لا يأبهون لمصلحة الشعب أو الفئات الفقيرة أو غير ذلك. لا مانع من أن يكون نفس الشخص تاجرا ناجحا و شريفا و لا أظن أن قسوة القلب و انعدام الضمير من متطلبات النجاح فى إدارة مصنع أو مزرعة. المشكلة فى هؤلاء العمليون هى فى ضيق نظرتهم فى المكان و الزمان. و هذه النظرة الضيقة تغفل الأسئلة الأهم من نوعية تغيير أنماط الاقتصاد و تحقيق قدرا معقولا من التعاون و التآزر بين قطاعات الدولة المختلفة. الوزير من رجال الأعمال يهمه فى النهاية كشف حساب وزارته. و كأن الوزير ما هو فى النهاية إلا مدير شركة يرغب فى تعظيم الربح مقارنة بالأصول! و هذه مشكلة عميقة لأن الوزير المفترض فيه أنه رجل سياسة و من هذا المنطلق فهو لا ينظر للربح بقدر نظرته لكفاءة الآلية.



نضرب مثالا (أرجو أن يكون تخيليا). ماذا لو قرر وزير التعليم توفير ملابس المدرسة صناعة الصين من أجل تخفيف الأعباء عن الآباء؟ لا ريب أن هذا قد يخفف فعلا على المدى القريب من مشاكل قطاعات عريضة من الفقراء و أصحاب الأولاد فى سن المدرسة و هم كثر و لكن هل هذا الحل مقبول فى دولة كمصر لها صناعة نسيج مهمة و متعثرة؟



مصر تحتاج إلى وزراء سياسيين بعيدى النظرة. أما الأمور العملية فهذه من اختصاص وكلاء الوزارات الذين أفنوا أعمارهم فى فهم التفاصيل.



و أنا أفترض طبعا الأمانة.