الاثنين، مارس ٢٧، ٢٠٠٦

نجيب محفوظ

عجيب كيف ينطبع الاسم على الشخصية. لا ريب أن أستاذنا نجيب محفوظ "محفوظ" و يكفى أنه أفلت من اضطهاد الدولة حياته كلها و من محاولة اغتيال أيضا. أما أنه نجيب فلا يجادل فى ذلك إلا غبي أو مريض نفسي.



مناسبة الكلام أنى أحببت منذ زمن أن أكتب شيئا عن أحوال المحروسة و لما تفكرت فى أحسن مدخل للكلام وجدتنى أفكر فى أحوال حارتنا و طرق سمعى نداء الحرافيش: عاشور النادى اسم الله عليه!



أول ما تعرفت على نجيب محفوظ كان من رواياته المسلسلة فى الأهرام و أحيانا فى المصور (أو أكتوبر-- السن له أحكام) مثلا أمام العرش و قشتمر. ثم قرأت خان الخليلي و كذا أصبحت معجبا مخلصا. و بعد قراءتى لخان الخليلي بسنين اكتشفت أن العقاد أجبر مجمع اللغة العربية على منحه جائزة الرواية عن هذه الجوهرة. صحيح لا يعرف قدر أهل الفضل إلا أهل الفضل.



و المؤسف-- و ماذا فى مصر لا يؤسف هذه الأيام-- أن اسم نجيب محفوظ لا يكاد يذكر إلا و تذكر أولاد حارتنا و يندلع النقاش حول الحرية و الإلحاد و كيت و كيت و يدخل زيد و عبيد و نطاط الحيط و كأن قيمة نجيب محفوظ قيمة رمزية لا قيمة حقيقية وكأن كتاباته ليست أفضل ما استخرج لب الشعب المصرى و روحانيته العميقة التى لم تفتأ تتعارض مع دنيويته التى تلتهب فى العروق، البيت و الجامع و جلسة الأصحاب، الروح التى تهفو إلى حلقة الذكر و العقل الذى لا يريد أن يستكثر من الأولاد حتى لا يتفرق الميراث و الجسد الذى لا يرضى بامرأة واحدة و ينتهى عند زبيدة العالمة (و موضوع العالمة هذا له عودة إن شاء الله) و القلب الذى ينفلق حزنا على الولد الشهيد. إيش يفرق أن الغرب أعطاه جائزة كذا أو ذاك. إيش يفرق إن كان مؤمنا أو ملحدا فالرجل لم يصرح بالإلحاد و لم ينزع ثوب الستر المسدل على كل مسلم.



و أنا لى رأي فى أعمال الأستاذ أنها ككتابات المعري تنحو منحى دينيا واضحا. ليس الأمر أن تكتب تقريرا للعقيدة أو نظما يمجد هذا أو ذاك من الصحابة أو الأبطال. ليس الأمر بذاك و إن كانت تلك كلها آفاق مفتوحة لمن أراد الكتابة و المعيار فى النهاية هو جودة الأدب لا موضوعه. و لكن كتابات أمثال محفوظ و المعري تكتسب أهميتها من أنها حوار بديع بين الإنسان و روحه و بين روحه و الكون المحيط به و الناس من حوله. و هذه الأسئلة التى لا تنفك تهجم عليك و أنت تقرأ هذه الكتابات مما يجتذب أساسا عقول و قلوب أصحاب الأرواح اللطيفة التى تهتم لأمر وجودها ما معناه و من أين و إلى أين. لا يهم إن كان الكاتب يجيب أو لا يجيب و لكن المهم هو السؤال ذاته و التفكير الذى يبعثه السؤال.



و الدين فى أساسه ليس صلاة و زكاة فهذه شرائع يتدين بها من آمنوا و لا معنى لها من غير المؤمن أصلا. إنما الدين الإيمان بالله والملائكة و الرسل و المعاد و القدر و هو بذلك يدور على الإيمان بالغيب و التصديق بما وراء المادة. و من أجل ذلك فالتساؤل عن المنشأ و المآل تساؤل ديني أساسا بغض النظر عن الإجابة. ويحضرنى فى هذا رأي علي عزت بجوفتش رحمه الله فى الحركات الوجودية فى أوروبا عندنا قال إنها أحسن من لا شئ على الأقل هناك من أحس بوجود أزمة. و لعلى أذكر هنا بأن فيلسوف الوجودية الأكبر مارتن هيدجر قال فى لقاء معه قبيل موته أنه لابد لأوروبا من إله. السؤال أولا. الجواب فى القرآن.



من أجل ذلك أجد أن أدب نجيب محفوظ أهم و أعظم بما لا مقارنة معه من روائي كإحسان مثلا. فإحسان لا يسأل الأسئلة الجوهرية أصلا و لكنه يقبل بنوع من الاتفاق مع المجتمع فى عاداته و أحواله. إحسان يؤمن، كما قالت جورج إليوت قديما، بدين الطبقة المتوسطة: الاحترام. و الاحترام عند إحسان هو ما تقبله طبقة مرتادى نادى الجزيرة و ما إلى ذلك. لا فائدة بالمرة فى قراءة إحسان.



و للكلام عن أحوال حارتنا مقام آخر.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

أوافقك :)
نجيب محفوظ روائي يتمتع بأسلوب قوي للغاية يأخذك إلى عالم مغاير ربما مشابه لعالمك وربما لم تعهده من قبل..
أما عن الإلحاد فهو لم يصرح بالإلحاد لأنبش وراءه..

فقط أختلف معك في رأيك في إحسان..إذا كنت تختزل قيمة الرواية في فكرة فلسفية جوهرية فهذا ليس كل شيء!
فحتى الأفكار المرتبطة بالمجتمع بعيدا عن مسألة الوجود هي ذات قيمة وأهمية!