السبت، يوليو ٠٥، ٢٠٠٨

فروقات غربية

(1)

ليسوا سواء

نميل للتعامل مع الغرب و كأنه وحدة متجانسة. نتكلم عن الحضارة الغربية و الفكر الغربي . رغم التشابه الظاهر بين أمم أوروبا و أمريكا الشمالية و أستراليا (الغرب) فإن الفروق بين أنظمتهم السياسية و ترتيباتهم الإجتماعية ليست فروقا هينة. من هنا نجد أن الكلام عن الغرب و مقارنة النظم الغربية بالإسلام لا يمكن أن يتم باللجوء للعموميات. لابد من التفصيل.

لكى تتضح الأمور أود أن أقارن بين النظامين الإنجليزي و الأمريكي فى تعاملهما مع الدين و علاقته بالسياسة. و الغرض من المقارنة تبيين أن المقولات الشائعة عن الديموقراطية و فصل الدين عن الدولة لا تنطبق بصورة دقيقة على الغرب كله و بالتالى فالتعلق بتفسيرات معينة للديموقراطية و ادعاء أنها "سبب" التقدم الغربي غير مقبول حتى من ناحية مطابقة تلك التفاسير للواقع الغربي. بكلام أوضح: حتى لو افترضنا إن اتباع الحضارة الغربية هو الطريق للتقدم فمن المستحيل الوصول لرؤية موحدة لكيفية التقدم لأن الحضارة الغربية نفسها غير متجانسة. أى محاولة لتسويق مفهوم موحد للغرب (تحت إسم الديموقراطية أو غير ذلك) هى محاولة خاطئة و بصورة أساسية.

على الناحية الأخرى فأى محاولة لتقديم صورة متجانسة للغرب الكافر تقع فى نفس الإشكال. كما إن محاولة تعريف رؤية إسلامية موحدة أيضا محكوم عليه بالفشل لتعدد الرؤى بين المسلمين (المعاصرين و القدماء).

(2)

الدين و الدولة

من الجدير بالملاحظة إن المسيحية ما زالت هى الديانة الرسمية لأنجلترا. فى الواقع الملك أو الملكة هو (أو هى) رأس الكنيسة الإنجليزية كما إنه رمز الدولة. و لا يخفى على أحد إن هذا الترتيب يناقض مناقضة واضحة أى كلام عن فصل الدين عن الدولة. كيف ينفصلان و رأس الدولة هو نفسه رأس الكنيسة!

هنا نجد مثالا يحسن أن ينظر له الساعين لعودة الدين للحياة العامة. فى إنجلترا الدين و الدولة مرتبطان و لكن من يحكم الآخر؟ الدولة. مثلا الإيمان بجهنم ليس من قواعد الإيمان المسيحي فى الكنيسة الإنجليزية. لماذا؟ لأن المجلس الخاص (الذى يشير على الملك أو الملكة) قرر ذلك رغم معارضة أعضاء المجلس من ممثلى الكنيسة!!

فى هذه القصة عبر كثيرة. أولها أن النظام الإنجليزى فى أصله قائم على نظرية مشابهة لنظرية أهل الحل و العقد. و على مدى التاريخ تطورت الطريقة التى يختار بها أهل الحل و العقد و لكن الإنجليز حافظوا على الطبيعة العامة للنظام بما فى ذلك كون كبار رجال الكنيسة (و بصورة تلقائية) من أهل الحل و العقد. العبرة الثانية أن ربط الدين بالدولة قد يكون بغرض تقييد السياسيين بالإلتزام بالدين و لكن فى النهاية قد يؤدى للعكس. و هذا الخطر مما يتهدد السعودية بالذات لطبيعة التفكير الدينى هناك الذى يرى أولوية رأي الأمير على أقوال الفقهاء! و هذه إشارة أخرى للساعين لعودة الخلافة. فمن السهل على الورق أن نطلب من الخليفة أن يكون من أهل الاجتهاد و لكن الواقع غير ذلك. فإذا جعلنا للخليفة سلطات دينية واسعة تتعلق بالأحكام الشرعية فلا نلومن إلا أنفسنا!

على الناحية الأخرى من الأطلسي نجد أن الدستور الأمريكي يمنع منعا باتا أن يحظى أى دين برعاية الدولة أو أن تعيق الدولة ممارسة الشعائر الدينية (التعديل الأول للدستور).

إذن أقوى دولة فى العالم تفصل الدين عن الدولة! لا داعى للنظر للإنجليز و تقاليدهم المتحجرة فلننظر للأحسن و الأقوى و نتبع الطريقة الأمريكية!

ليس ذاك كما قد يحب العلمانيون المصريون فالأمر فى أمريكا أعقد. للأمريكان كتاب مقدس و لكنه ليس الإنجيل و سدنة للكتاب و لكنهم ليسوا من القساوسة!

(3)

الدستور أم البرلمان

الإنجليز (و هم شعب متميز) يوكلون كل السلطات للبرلمان. فى الواقع الإنجليز ليس لهم دستور مكتوب مع إنهم أقدم ديموقراطية "غير منقطعة" فى العالم. و لأنهم لا دستور لهم فلا سبيل للحكم "بعدم دستورية" القوانين. و هكذا فما كان ممنوعا ربما يصبح مباحا و العكس على حسب الأصوات فى "مجلس العامة" و "مجلس السادة".

أما الأمريكان فنظامهم أعقد. للأمريكان دستور (بلا شك عندى هو أفضل الدساتير المكتوبة) يرسم تركيب الدولة و ما يمكن و لا يمكن للمجالس المنتخبة أو الرئيس أن يقرروه. و هنا تنشأ مشكلة: من يقرر إن كان قانون معين أو قرار رئاسي معين يوافق الدستور أو يخالفه؟ فى أمريكا مثل هذه القرارات فى يد المحكمة العليا. من يختار قضاة المحكمة العليا؟ الرئيس و لمدى الحياة أو التقاعد الإختياري. هل يستطيع الكونجرس نقض قرارات المحكمة العليا؟ لا، هل يستطيع الرئيس أن يفعل ذلك؟ لا.

إذن ها نحن أمام وثيقة ثابتة (الدستور) يقوم على تفسيرها فئة من المختصين غير المنتخبين و لا يمكن إقالتهم.

العجيب إنه عندما اقترح الإخوان أن يكون هناك هيئة من العلماء لمراجعة القوانين هاجت الدنيا اعتراضا على "الدولة الدينية" ثم لم يحر الإخوان جوابا إلا أن يقولوا إن رأى اللجنة غير ملزم! و هذا سخف ما بعده سخف فى دولة مثل مصر لها دستور و لها محكمة دستورية آراؤها (فى حدود علمى) ملزمة. فلا الإخوان كانوا فى حاجة لإقتراح لجنة جديدة و لا اعتراض المعترضين له معنى لأن عمل اللجنة المقترحة هو ذاته عمل المحكمة الدستورية و كل الفرق أن1) القوانين الموجودة تخالف الشريعة، 2) الدستور لا يشترط موافقة الشريعة. و هو عينه الخلاف الدائم حول المادة الثانية!

(4)

التاريخية!

هناك جدل حول التعامل مع نصوص الشريعة الإسلامية . و الإشكالية، باستخدام تعبيرات المستشار البشري، هى كيفية التوفيق بين "النص الثابت" و "الواقع المتحرك". هذه الإشكالية لا علاقة لها لا بالإسلام و لا بالشريعة الإسلامية فنفس الإشكال موجود فى أى نظام له دستور مكتوب أوقوانين مكتوبة. و فى مثل هذه الإشكالية نجد أن الناس فريقان. الفريق الأول يقول بإطلاق النص و الثانى بنسبية النص. فى حدود معرفتى بالقانون الأمريكي (و لست حقوقيا) فالطريقة الغالبة على عمل المحكمة الدستورية هى اعتبار النص مطلقا و متابعة واضعى الدستور على مقصودهم الأصلي. و هذه الطريقة هى عين طريقة الفقهاء المسلمين فى التعامل مع الكتاب و السنة. و أنا لا أرى لم يكون التعامل مع الكتاب و السنة بصور مطلقة تخلفا بينما التعامل مع نصوص الدستور الأمريكي بنفس الطريقة تقدما. أنا لا أريد أن أفضل رأى على آخر و لكنى أود أن ألفت الانتباه لأن طبيعة الخلاف لا تحتمل الوصف بالتخلف و الظلامية و أنه من الأفضل أن نناقش صلب الموضوع بدلا من التراشق بالكلمات.

بين من يفضلون التفسير النسبى للنصوص (الإسلامية) من يحبون التفريق بين القرآن و السنة. فهناك من يقول نأخذ بالقرآن مطلقا و نعتبر السنة أحكاما تاريخية. و هذا عبث لأن النظم القانونية عادة ما تعتبر السوابق القضائية (إما لكل المحاكم أو للمحكمة العليا التى هى فى مصر محكمة النقض). و اعتبار السوابق القانونية معناه إن تفسير {محكمة النقض} للنصوص ملزم لبقية المحاكم. فالعجب كل العجب ممن يعتبر قضاء الرسول حادثة تاريخية و قضاء محكمة النقص نصا ملزما!!

(خلاصة)

أحببت أن أعرض شيئا من تنوع المشارب فى الفكر التشريعي الغربي. و الغرض من ذلك هو حث أطراف الجدل القائم حول علاقتنا بالغرب و نظمه للإنتقال من مرحلة الأحكام التعميمية بالحسن و القبح للدراسة التفصيلية و محاولة فهم الإختلافات بين مفكرى الغرب و علاقتها بالخلافات الفقهية بين المسلمين قديما و حديثا.

و لعلنا نجد أرضية مشتركة للعمل.

و على الله قصد السبيل و منها جائر.

هناك تعليق واحد:

Mo93abS يقول...

أحب أسجل موافقتي لجل ما انتهيت اليه بخصوص تأصيل "مبدأ" المرجعية الدينية
لكن أتصور أن "الذهنية" الاسلامية -التي تمارس هذا المبدأ أو على الأقل تنظّر له- ليست برئية تماما فمطلقية النص تمددت وتغولت حتى انفصلت عن الانسان وحاجاته والله ومراداته
فأمست هما في ذاتها
فأنا أتفهم الهجوم عليها كثيرا
وان كنت أؤمن "بالمبدأ"

تحياتي :)
وما يفوتني أحي هذه المدونة اللي تلزم ونص ;)